مواجهة التّغيير: رحلة الأمّ العاملة بعد الولادة
يمثّل قرار العودة إلى العمل بعد الولادة منعطفاً حاسمًا في حياة كل أم عاملة، حيث تتداخل فيه مشاعر متضاربة من الفرح والتردّد، والحماس والقلق. إن هذا الانتقال الكبير يتطلّب التكيّف مع روتين جديد ومهام متعدّدة، مع السيطرة على مشاعر طبيعيّة كالحنين إلى طفلها والرّغبة في العودة إلى حياتها المهنيّة.
رحلة عاطفيّة معقّدة
تُعدّ رحلة العودة إلى العمل رحلة عاطفيّة معقّدة، إذ غالباً ما يرافقها شعور بالذّنب تجاه ترك الطفل، حتى وإن كان في رعاية آمنة. قد يتأثّر هذا الشعور بالتّوقعات المجتمعيّة والمعايير الشخصيّة المتعلّقة بالأمومة. إضافة إلى ذلك، قد تشعر الأم ببعض الارتباك في تحديد هويتها الجديدة، متذبذبة بين دور الأمّ العاملة ودور الأمّ المكرّسة لرعاية طفلها على مدار الساعة. هذا التوازن الدقيق قد يؤدّي إلى زيادة التوتر والإرهاق، مما يستدعي ضرورة طلب الدّعم والمساعدة عند الحاجة.
استراتيجيات عمليّة لانتقال سلس
إن العودة إلى العمل بعد الإنجاب تتطلب تكيّفاً مع نمط حياة جديد ومواجهة تحديات متعددة مثل القلق ومشاكل الصحة النفسية. لحسن الحظ، هناك العديد من الاستراتيجيات التي يمكن للأم العاملة تبنيها لتسهيل هذا الانتقال.
- بناء شبكة دعم قويّة:
– دعم الشريك: التّواصل المفتوح مع الشريك حول تقاسم المسؤوليات المنزليّة ورعاية الطفل هو مفتاح النجاح. يمكن أن يساعد وضع خطّة واضحة لكلا الشريكين على تجنّب سوء الفهم وتوزيع المهام بشكل عادل ما يسهّل علاج القلق والاكتئاب.
– المساعدة المهنيّة: يمكن أن يكون طلب المساعدة من أخصّائيي الصّحة النفسيّة، مثل علماء النفس أو الأطباء النفسيّين، مفيداً للأشخاص الذين يعانون من الجوانب العاطفيّة للعودة إلى العمل. يمكن للمراكز النفسية المتخصّصة تقديم الدعم والموارد اللازمة.
- تحديد توقعات واقعية:
– التوازن بين العمل والحياة: التوازن المثالي قد يكون صعب المنال، ولكن يمكن تحقيق توازن عملي من خلال تحديد الأولويات وترتيب المهام. من المهم أن تكوني مرنة مع نفسك وتقبلي أن هناك أياماً قد تكون أكثر تحدياً من غيرها.
– ترتيب الأولويات: يمكن أن يساعد التركيز على ترتيب المهام وتفويضها عند الضرورة في إدارة الفوضى التي ترافق هذا الانتقال أحيانًا. فلا تتردّدي في طلب المساعدة من الآخرين، سواء كانوا أفراد العائلة أو الأصدقاء أو خدمات التنظيف.
- الرعاية الذاتية:
– الصحة الجسديّة: خصّصي وقتاً لنفسك، لممارسة الأنشطة التي تستمتعين بها، مثل القراءة أو اليوجا أو قضاء الوقت في الطبيعة.
– الصحّة النفسيّة: يمكن للتأمّل أن يساعد في إدارة التوتر، ولو حتى لبضع دقائق، ويؤثّر بشكل إيجابي على الصحة النفسية للبالغين. يمكن أن يساعد التفكير بانتظام في التجارب والعواطف في البقاء على اتّصال باحتياجات الصّحة النفسيّة. كما أنّ التحدث مع الأصدقاء يساعد خلال هذه العمليّة.
- بناء علاقات داعمة:
– علاقات مكان العمل: ابحثي عن فرص للتّواصل مع زملاء العمل والمشرفين لمناقشة التحديات التي تواجهيها والحصول على الدعم.
– الالتقاء بأمّهات عاملات أخريات: يمكن أن يكون التّواصل مع أمّهات يواجهن تحديات مماثلة مفيدًا للغاية، حيث يمكنكنّ تبادل الخبرات والنصائح ويكون التواصل أداة من أدوات أنشطة الصحة النفسية للبالغين.
تحقيق التوازن في كلا الدورين
لا شك أنّ تحقيق التوازن بين متطلبات العمل والأمومة يمثل تحدياً كبيراً، ولكنّه في الوقت نفسه يمنح إحساساً بالرضا العميق. يكمن السرّ في إيجاد السعادة في كلا الدورين، والتّعامل بمرونة مع التعقيدات التي تنشأ عن هذه الهويّة المزدوجة والتخلّص من القلق ومشاكل الصحة النفسية عبر خدمات الصحة النفسية للبالغين.
إن العودة إلى العمل بعد الولادة هي رحلة محفوفة بالتحديات، تتطلّب التّنقل بين مجموعة واسعة من المشاعر، والتغلّب على العقبات العملية، والتّعامل مع التوقعات الثقافيّة المتباينة. من خلال الاهتمام بالصّحة النفسيّة، وبناء شبكة دعم قويّة، وممارسة الرعاية الذاتيّة بانتظام، تستطيع الأمّ العاملة تحقيق التوازن المنشود بين حياتها المهنيّة والشخصيّة. إن احتضان دور الأمّ العاملة، وتقديم الدعم المتبادل بين الأمّهات، والاحتفاء بمرونتهنّ وتفانيهنّ، كلها عوامل تساهم في تحقيق هذا التوازن خلال رحلة علاج القلق والاكتئاب عبر خدمات الصحة النفسية للبالغين.
توفّر دولة الإمارات العربية المتحدة بيئة داعمة للأمّهات العاملات، حيث تتوفّر العديد من الموارد الصحيّة النفسيّة وشبكات الدعم الاجتماعي. نفتخر في مودسلي هيلث في أبوظبي بدورنا في تقديم الدعم للأمّهات والعائلات من خلال خدمات التّقييم وعلاج القلق والاكتئاب. تذكّري دائماً أن هذه الرحلة هي فرصة للنّمو واكتشاف الذات، وأن طلب المساعدة من أخصّائيي الصّحة النفسيّة هو دليل على الشجاعة وليس الضّعف.